(أرشيف المشهد)

22-11-2012 | 00:31

هناك فارق كبير بين لحظة تاريخية تتحول إلى ذكرى مجيدة، ولحظة تاريخية تتحول إلى نقطة تحول فارقة في التاريخ السياسي والوطني، بحيث تصبح تلك اللحظة نقطة بدء في مسار وطني مختلف.

والسؤال الذي يرعبنى العثور على إجابته هو: هل كانت ثورتنا المدهشة المعجزة بداية حقيقية لمسار سياسي ووطني مختلف، أم أنها تتحول شيئًا فشيئا إلى ذكرى تاريخية تحمل من المجد الكثير والكثير، ومن العزة الكثير والكثير، لكنها لا تخرج عن كونها ذكرى تاريخية نستعيدها بالكثير الكثير من الحنين والكثير الكثير من الإحساس بالعزة والفخر؟

الأحداث من حولنا تتوالى، والأيام بنا تمر، ونحن نبتعد أكثر فأكثر عن جوهر تلك الليالي الثمانى عشرة الاستثنائية فى تاريخ مصر الحديث، وأجد إصرارًا متصاعدًا على تحويل تلك الليالي إلى ذكرى، نستعيدها فنسترجع لونًا من الزهو الوطني الجليل، وترتفع هاماتنا زهوًا وفخرًا ونحن نستعيد أصواتنا الهاتفة: ارفع رأسك أنت مصري، ونسترجع أيضًا رضانا عن أنفسنا حين اكتشفنا أننا استطعنا فعلاً أن ننجز الشعار الذي رفعناه (إسقاط النظام).

الجميع يتآمرون بوعي أو دون وعي من أجل الاحتفاظ بهذه الأيام في خانة الأيام المجيدة والذكريات العظيمة، قليلون هم من لديهم القدرة والجلد والإصرار على أن يحتفظوا بوهج تلك اللحظة التاريخية النادرة في أرواحهم، قليلون هم أولئك الذين يصرون على ألا يفلت من بين أيديهم الخيط التاريخي الذي أمسك به الشعب كله من أجل أن ينسج مسارًا مختلفًا.

البعض مستسلم لفكرة أن الثورة قد سرقت، والبعض يعاني من ضخامة الإحباط الذي يصنعه العراك السياسي الرخيص، والبعض يحاول أن يقنعنا بأن ما وصلنا إليه كان هو هو عين ما سعينا من أجله!!، ويبقى المؤمنون الحقيقيون بأن الثورة التي بدأت لا يمكن سرقتها، ولا يمكن التدليس على الأمة بتزييف أهدافها، ولا يمكن أن تنتهي إلى هذا الصغار الذي تفوح روائحه من المعارك السياسية الصغيرة التى نعاني منها، هؤلاء هم الذين يطمئنونني أنا وأمثالي إلى أن الثورة لم تكن ولا يمكن أن تتحول إلى مجرد ذكرى مجيدة أو حدث تاريخي عظيم، وأنها لابد أن تبلغ مداها باعتبارها نقطة بدء لمسار وطني وحضور مصري مختلف، وأن العقبات الكبيرة تصغر وتصغر أمام الغايات الكبرى والعزائم التى لا تلين.